السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ردد دائماً أنا أستطيع ...
يقول ابن القيم- رحمه الله- : لو أن رجلاً
وقف أمام جبل وعزم على إزالته ؛ لأزاله .
لقد توصلت - بعد سنوات من
الدراسة والبحث والتأمل- إلى : أنه لا مستحيل في الحياة ؛ سوى أمرين فقط .
الأول : ما كانت استحالته كونية ( فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي
بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ
الَّذِي كَفَرَ ) (البقرة: من الآية258)
الثاني : ما كانت استحالته
شرعية ؛ مما هو قطعي الدلالة ، والثبوت ، فلا يمكن أن تجعل صلاة المغرب
ركعتين ، ولا أن يؤخر شهر الحج عن موعده ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَات)
(البقرة: من الآية197) ، ولا أن يباح زواج الرجل من امرأة أبيه (إِنَّهُ
كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً )(النساء: من الآية22) وما عدا
هذين الأمرين وما يندرج تحتهما من فروع ؛ فليس بمستحيل .
قد تكون
هناك استحالة نسبية لا كلية ، وهو ما يدخل تحت قاعدة عدم الاستطاعة فقد
يعجز فرد عن أمرٍ ؛ ولكن يستطيعه آخرون، وقد لا يتحقق هدف في زمن ؛ ولكن
يمكن تحقيقه في زمن آخر، وقد لا يتأتى إقامة مشروع في مكان ، ويسهل في مكان
ثان ، وهكذا .
إن الخطورة: تحويل الاستحالة الفردية ، والجزئية ،
والنسبية ؛ إلى استحالة كلية شاملة عامة .
إن عدم الاستطاعة هو
تعبير عن قدرة الفرد ذاته ، أما الاستحالة ؛ فهو وصف للأمر المراد تحقيقه ،
وقد حدث خلط كبير بينهما عند كثير من الناس ، فأطلقوا الأول على الثاني .
إن
من الخطأ أن نحول عجزنا الفردي إلى استحالة عامة ؛ تكون سبباً في تثبيط
الآخرين ، ووأد قدراتهم ، وإمكاناتهم في مهدها .
إن أول عوامل
النجاح ، وتحقيق الأهداف الكبرى هو: التخلص من وهم ( لا أستطيع – مستحيل ) ،
وهو بعبارة أخرى: التخلص من العجز الذهني ، وقصور العقل الباطن، ووهن
القوى العقلية .
إن الأخذ بالأسباب الشرعية ، والمادية يجعل ما هو
بعيد المنال حقيقة واقعة .
إن كثيراً مـن الـذين يكررون عبـارة :
لا أستطيـع ، لا يشخصون حقيقة واقعـة ،يعذرون بها شرعاً وإنما هو انعكاس
لهزيمـة داخلية للتخلص من المسئولية.
إن من الخطوات العملية لتحقيق
الأهداف الكبرى هو: الإيمان بالله ، وبما وهبك من إمكانات هائلة تستحق
الشكر. ومن شكرها : استثمارها ؛ لتحقيق تلك الأهداف التي خلقت من أجله .
أي
عذر لإنسان ؛ وهبه الله جميع القوى التي تؤهله للزواج ، ثم هو يعرض عن ذلك
دون مبرر شرعي . إن هذا من كفر النعمة لا من شكرها ، وهو تعطيل لضرورة من
الضرورات الخمس التي أجمعت جميع الديانات السماوية على وجوب المحافظة عليها
، وهو النسل .
وحري ، بمن فعل ذلك أن تسلب منه هذه النعمة الكبرى (
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ
كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (إبراهيم:7) .
وقل مثل ذلك :
في كل نعمة ، وموهبة وهبها الله الإنسان .
إنني لست بصدد بيان
عوامل النجاح ، ومرتكزات القيادة ، والريادة ؛ ولكنني أحاول أن أزيل هذا
الوهم الذي سيطر على عقول كثير من رجال الأمة ، وشبابها ؛ فأوصلنا إلى
الحالة التي سرّت العدو ، وأحزنت الصديق .
إن الأمة تمر بحالة
تاريخية ذهبية من العودة إلى الله ، وتلمس طريق النجاة ، والنجاح ،
والسعادة ، والرقي .
وإذا لم تستثمر تلك الإمكانات ، والطاقات
الهائلة ، والأمة في حال إقبالها ؛ فإنه سيكون الأمر أشد وأعسر في حال
فتورها .
إن من الأخطاء التي تحول بين الكثيرين ، وبين تحقيق أعظم
الأهداف ، وأعلاها ثمناً تصور أنه لا يحقق ذلك إلا الأذكياء .
إن
الدراسات أثبتت أن عدداً من عظماء التاريخ كانوا أناساً عاديين ، بل إن
بعضهم قد يكون فشل في كثير من المجالات كالدراسة مثلاً .
لا شك أن
الأغبياء لا يصنعون التاريخ ؛ ولكن الذكاء أمر نسبي يختلف فيه الناس
ويتفاوتون ، وحكم الناس غالباً على الذكاء الظاهر ، بينما هناك قدرات خفية
خارقة لا يراها الناس ؛بل قد لا يدركها صاحبها إلا صدفة ، أو عندما يصر على
تحقيق هدف ما ؛ فسرعان ما تتفجر تلك المواهب مخلفة وراءها أعظم الانتصارات
، والأمجاد .
إن كل الناس يعيشون أحلام اليقظة ، ولكن الفرق بين
العظماء وغيرهم : أن أولئك العظماء لديهم القدرة ، وقوة الإرادة والتصميم
على تحويل تلك الأحلام إلى واقع ملموس ، وحقيقة قائمة ، وإبراز ما في العقل
الباطن إلى شيء يراه الناس ، ويتفيئون في ظلاله .
إن من أهم
معوقات صناعة الحياة : الخوف من الفشل ، وهذا بلاء يجب التخلص منه، حيث إن
الفشل أمر طبيعي في حياة الأمم ، والقادة ، فهل رأيت دولة خاضت حروبها دون
أي هزيمة تذكر ؟!
وهل رأيت قائداً لم يهزم في معركة قط ؟!
والشذوذ
يؤكد القاعدة ، ويؤصلها ، ولا ينقضها.
إن من أعظم قادة الجيوش في
تاريخ أمتنا – خالد بن الوليد – سيف الله المسلول ، وقد خاض معارك هزم فيها
في الجاهلية ، والإسلام ، ولم يمنعه ذلك من المضي قدماً في تحقيق أعظم
الانتصارات ، وأروعها .
ومن أعظم المخترعين في التاريخ الحديث
؛مخترع الكهرباء ( أديسون ) وقد فشل في قرابة ألف محاولة ؛ حتى توصل إلى
اختراعه العظيم ، الذي أكتب لكم هذه الكلمات في ضوء اختراعه الخالد .
وقد
ذكر أحد الكتاب الغربيين ؛ أنه لا يمكن أن يحقق المرء نجاحاً باهراً حتى
يتخطى عقبات كبرى في حياته .
إن الذين يخافون من الفشل النسبي ، قد
وقعوا في الفشل الكلي الذريع ( أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا ) (التوبة:
من الآية49)
ومن يتهيب صعود الجبال
يعش أبد الدهر بين
الحفر
إن البيئة شديدة التأثير على أفرادها ؛ حيث تصوغهم ولا
يصوغونها ( إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى )(
وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ)(الزخرف: من الآية23 )، ولذلك فهي
من أهم الركائز في التقدم، أو التخلف ، والرجال الذين ملكوا ناصية القيادة
والريادة ؛لم يستسلموا للبيئة الفاسدة ولم تمنعهم من نقل تلك البيئة إلى
مجتمع يتسم بالمجد والرقي والتقدم ؛ ولذلك أصبح المجدد مجدداً ؛ لأنه جدد
لأمته ما اندرس من دينها وتاريخها وقد ختمت النبوة بنبينا محمد -صلى الله
عليه وسلم - فلم يبق إلا المجددون والمصلحون ؛ يخرجونها من الظلمات إلى
النور فحري بك أن تكون أحد هؤلاء .
وأختم هذه المقالة بإشارات تفتح
لك مغاليق الطريق :
1 - ذلك الكم الهائل من عمرك والذي يعد بعشرات
السنين ، قد تحقق من أنفاس متعاقبة وثوان متلاحقة ، وآلاف الكيلو مترات
التي قطعتها في حياتك ؛ ليست إلا خطوات تراكمت فأصبحت شيئاً مذكوراً.
وكذلك
الأهداف الكبرى ؛ تتحقق رويداً رويدا ، وخطوة خطوة ، فعشرات المجلدات التي
يكتبها عالم من العلماء ، ليست إلا مجموعة من الحروف ضم بعضها إلى بعض ،
حرفاً حرفاً ؛ فأصبحت تراثاً خالداً على مر الدهور والأجيال .
2 -
علو الهدف يحقق العجائب ، فمن كافح ليكون ترتيبه الأول ؛ يحزن إذا كان
الثاني ومن كان همه دخول الدور الثاني ؛ يفرح إذا لم يرسب إلا في نصف
المقررات والمواد .
وإذا كانت النفوس كـباراً
تعبت في
مرادها الأجسام
مـن يهـن يسهــــــل عليه
ما لجــــرح بميت
إيـلام
3 - الإبداع لا يستجلب بالقوة , وتوتر الأعصاب ؛ وإنما
بالهدوء , والسكينة وقوة الإيمان , والثقة بما وهبك الله من إمكانات ، مع
الصبر والتصميم , وقوة الإرادة والعزيمة ؛ ولذلك فأكثر الطلاب تفوقاً؛
أكثرهم هدوءاً , وأقلهم اضطراباً عند الامتحان . وكان النبي -صلى الله عليه
وسلم- أشجع الناس ، وأربطهم جأشاً ، وأثبتهم جناناً ، وأقواهم بأساً ؛
يتقون به عند الفزع لا يعرف الخوف إلى قلبه سبيلاً .
4 - التفكير
السليم المنطقي يقود إلى النجاح ، والتخطيط العلمي العملي طريق لا يضل
سالكه .
وفشل كثير من المشروعات منشؤه الخطأ في طريقة التفكير ،
والمقدمات الخاطئة تقود إلى نتائج خاطئة .
5 - الواقعية لا تتعارض
مع تحقيق أعظم الانتصارات , والريادة في صناعة الحياة ؛ بل هي ركن أساس من
أركانها ، وركيزة يبنى عليها ما بعده ، وعاصم من الفشل والإخفاق بإذن الله .
6 - كثير من المشكلات الأسرية , والشخصية , والاجتماعية ؛ منشؤها
توهم صعوبة حلها , أو استحالته . بينما قد يكون الحل قاب قوسين أو أدنى ؛
ولكن الأمر يحتاج إلى عزيمة وتفكير ، يبدأ من تحديد المشكلة ثم تفكيكها إلى
أجزاء ، ومن ثم المباشرة في علاج كل جزء بما يناسبه .
7 -
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين ُ) (الفاتحة:5) جماع الأمر ،
ومدار العمل، والقاعدة الصلبة التي بدونها تكون الحياة هباء منثوراً .
اسألكم الدعاء وشكرا لكم
مع تحياتي